توجعني الكتابة وتقض مضجعي كذلك الأرق المختبئ تحت وسائد جافها
الكرى، توجعني الكتابة حدّ الحبل بها والتماهي مع تقلصاتها المؤلمة.. توجعني فأغص
بكلماتي وأتحشرج بحروفي ويعسر المخاص ويعسر،.. وتشتد آلامه .. ومامن انفراجة تلوح
في الأفق !.. يشكو قلمي الهجران وتتملل صفحاتي ضيقا بالفراغات البيضاء وبفحيح
حشرجات الكلمات وهي تحاول التنفس خارجي .. تقرر الصفحات العذراء - رغما عني - أنه
لابد من الانسلاخ من حالة الصمت المقدس الذي يلفني ويحتويني منذ زمن أخاله دهراً!.
رباه وماذا أقول وما يحدث حولنا مربك حد الذهول؟!..رباه وماذا
أقول وقد عقدت الدهشة والحيرة لسان قلمي وأعاقت تدفق كلماته ؟!.. كثيرا ما يقول لي
قرائي : أين أنت ِ؟ ولماذا لا تكتبين ؟! لا يعني الايقاف عن الكتابة التوقف عن
الكتابة في مواقع التواصل الاجتماعي أو في المدونة أو في أي فضاء الكتروني؟! ولكني
حقيقة وجدت نفسي في مرحلة أقرب فيها للخرس، وعدم القدرة على التفوه بحرف!..
وهل تستطيع كلمات العالم بأسره أن تمحو هذا الكم من الكراهية
الذي يحيط بنا؟!.. هل تستطيع كلمات العالم بأسره أن تجيب على أسئلتنا المعلقة في
الفضاء والتي تتلوى بحثا عن إجابات ؟!.. هل تستطيع الكلمات أن تفسر لنا لماذا
تحولنا إلى وحوش ينهش بعضها بعضا؟!.. لماذا تحولنا إلى مخالب حادة تتحين الفرص
لتنشب أنيابها في أجساد بعضنا؟! .. ولماذا لا يتورع الكثير منا على نفث سموم
كراهيته في وجه المختلف ، بل لماذا صارت الكراهية هي سيدة المشهد ؟!.. لماذا
تحولنا إلى لقمة سائغة في فك الطائفية والمذهبية والتشرذم؟!.. لماذا يتبادل الكثير
منا ايميلات وبرودكاستات الكراهية والحقد ، دون أن يرف له قلب أو يتملل له ضمير؟!.
وماذا تفيد الكلمات في عالم يبدو أنه فقد الرشد ، وعُقمت
فضاءاته عن استيلاد معاني للأشياء؟! ماذا تفيد الكلمات وقد أصيبت بقعتنا التعيسة
من الأرض بلوثة الكراهية والصراعات والدماء والقتل وشهوة السلطة والاستبداد ؟!
ماذا تفيد الكلمات عندما تُقتل الأحلام في الأحداق ، وتجهض
المنى وهي بعد في مهدها؟! ما أكذب حلم ما سموه الربيع العربي ، والذي تحول إلى
كابوس طائفي يجثم على صدورنا جميعا!.. ويهددنا جميعا بحرق الأخضر واليابس!..
وتحويل أوطاننا العربية إلى كانتونات طائفية تفتتها الكراهية والأحقاد
والصراعات!.. ما أوجع أن يٌلوح لك بحلم وتجري عليه فرحا مستبشرا لتكتشف أنه ليس
إلا تهويمات ومجرد سراااب!..
ماذا تفيد الكلمات والكذب والزيف يتصدران المشهد ويلونان
تفاصيل الصورة؟!.. ماذا تفيد الكلمات حين يتساوى الخير بالشر ، والفضيلة بالرذيلة
، والصدق بالكذب ، والوطنية بالمتاجرة بالأوطان ، والشرف بالخيانة ، ومرتزقة
الإعلام بالأقلام الحرة ، والدين بالمتحدثين باسمه وهو منهم براء؟!..
هل تستطيع كلمات العالم بأسره بأن تفسر لي لماذا فشلنا ونظل
نفشل في الحوار وفي تقبل الاختلاف ؟!.. لماذا يعتبر الاختلاف في الرأي قضية
القضايا في عالمنا العربي المنكوب .. ويكفي أن تخالف أحدا رأيه ، لينصب لك سياط
العدواة والكراهية!.. هل تستطيع الكلمات أن تفسر لنا لماذا نظل نلف وندور في أفلاك
التخلف والتحزب البشع .. ولماذا يغشي العمى الايدلوجي البصائر فلا تكاد ترى حقيقة
الأخطار المحدقة بها؟!..
أظل أتساءل وأتساءل عن قدرة الكلمات واللغة على صناعة تغيير في
الوعي عندما يصبح الجنون هو سيد الموقف .؟! وهل ستسمع الكلمات من يضع في أذنيه
وقرا؟!..
أظل أتساءل .. ولكن وجع الكتابة يظل يسكنني ويصول ويجول داخي
..
وسيظل قلمي يكتب رغما عني : وفي البدء كانت الكلمة!..