Sunday, May 19, 2013

وفي البدء كانت الكلمة!..


 

 

توجعني الكتابة وتقض مضجعي كذلك الأرق المختبئ تحت وسائد جافها الكرى، توجعني الكتابة حدّ الحبل بها والتماهي مع تقلصاتها المؤلمة.. توجعني فأغص بكلماتي وأتحشرج بحروفي ويعسر المخاص ويعسر،.. وتشتد آلامه .. ومامن انفراجة تلوح في الأفق !.. يشكو قلمي الهجران وتتملل صفحاتي ضيقا بالفراغات البيضاء وبفحيح حشرجات الكلمات وهي تحاول التنفس خارجي .. تقرر الصفحات العذراء - رغما عني - أنه لابد من الانسلاخ من حالة الصمت المقدس الذي يلفني ويحتويني منذ زمن أخاله دهراً!.

رباه وماذا أقول وما يحدث حولنا مربك حد الذهول؟!..رباه وماذا أقول وقد عقدت الدهشة والحيرة لسان قلمي وأعاقت تدفق كلماته ؟!.. كثيرا ما يقول لي قرائي : أين أنت ِ؟ ولماذا لا تكتبين ؟! لا يعني الايقاف عن الكتابة التوقف عن الكتابة في مواقع التواصل الاجتماعي أو في المدونة أو في أي فضاء الكتروني؟! ولكني حقيقة وجدت نفسي في مرحلة أقرب فيها للخرس، وعدم القدرة على التفوه بحرف!..

وهل تستطيع كلمات العالم بأسره أن تمحو هذا الكم من الكراهية الذي يحيط بنا؟!.. هل تستطيع كلمات العالم بأسره أن تجيب على أسئلتنا المعلقة في الفضاء والتي تتلوى بحثا عن إجابات ؟!.. هل تستطيع الكلمات أن تفسر لنا لماذا تحولنا إلى وحوش ينهش بعضها بعضا؟!.. لماذا تحولنا إلى مخالب حادة تتحين الفرص لتنشب أنيابها في أجساد بعضنا؟! .. ولماذا لا يتورع الكثير منا على نفث سموم كراهيته في وجه المختلف ، بل لماذا صارت الكراهية هي سيدة المشهد ؟!.. لماذا تحولنا إلى لقمة سائغة في فك الطائفية والمذهبية والتشرذم؟!.. لماذا يتبادل الكثير منا ايميلات وبرودكاستات الكراهية والحقد ، دون أن يرف له قلب أو يتملل له ضمير؟!.

وماذا تفيد الكلمات في عالم يبدو أنه فقد الرشد ، وعُقمت فضاءاته عن استيلاد معاني للأشياء؟! ماذا تفيد الكلمات وقد أصيبت بقعتنا التعيسة من الأرض بلوثة الكراهية والصراعات والدماء والقتل وشهوة السلطة والاستبداد ؟!

ماذا تفيد الكلمات عندما تُقتل الأحلام في الأحداق ، وتجهض المنى وهي بعد في مهدها؟! ما أكذب حلم ما سموه الربيع العربي ، والذي تحول إلى كابوس طائفي يجثم على صدورنا جميعا!.. ويهددنا جميعا بحرق الأخضر واليابس!.. وتحويل أوطاننا العربية إلى كانتونات طائفية تفتتها الكراهية والأحقاد والصراعات!.. ما أوجع أن يٌلوح لك بحلم وتجري عليه فرحا مستبشرا لتكتشف أنه ليس إلا تهويمات ومجرد سراااب!..

ماذا تفيد الكلمات والكذب والزيف يتصدران المشهد ويلونان تفاصيل الصورة؟!.. ماذا تفيد الكلمات حين يتساوى الخير بالشر ، والفضيلة بالرذيلة ، والصدق بالكذب ، والوطنية بالمتاجرة بالأوطان ، والشرف بالخيانة ، ومرتزقة الإعلام بالأقلام الحرة ، والدين بالمتحدثين باسمه وهو منهم براء؟!..

هل تستطيع كلمات العالم بأسره بأن تفسر لي لماذا فشلنا ونظل نفشل في الحوار وفي تقبل الاختلاف ؟!.. لماذا يعتبر الاختلاف في الرأي قضية القضايا في عالمنا العربي المنكوب .. ويكفي أن تخالف أحدا رأيه ، لينصب لك سياط العدواة والكراهية!.. هل تستطيع الكلمات أن تفسر لنا لماذا نظل نلف وندور في أفلاك التخلف والتحزب البشع .. ولماذا يغشي العمى الايدلوجي البصائر فلا تكاد ترى حقيقة الأخطار المحدقة بها؟!..

أظل أتساءل وأتساءل عن قدرة الكلمات واللغة على صناعة تغيير في الوعي عندما يصبح الجنون هو سيد الموقف .؟! وهل ستسمع الكلمات من يضع في أذنيه وقرا؟!..

أظل أتساءل .. ولكن وجع الكتابة يظل يسكنني ويصول ويجول داخي ..

وسيظل قلمي يكتب رغما عني : وفي البدء كانت الكلمة!..

 

 

Wednesday, February 27, 2013

النسوية السعودية وخصومها ، والمعركة المقدسة !

ليس السؤال ماذا ستنجز المرأة في مجلس الشورى ، ولكن السؤال ماذا أنجز الرجل فيه من قبل ؟! كثيرا ما يثير السؤال السابق حفيظة النسوية السعودية التي لا تزال تقرع طبول النصر ابتهاجا بدخول المرأة للمجلس، حتى أن سؤالا من هذه النوعية من الممكن أن يعكر عليها صفو فرحتها بالنصر المبين ، لتضع من يثيره في خانة العداء للنسوية "المجيدة" والإنتصار للذكورية "الغاشمة".في حين أن سؤال الفعالية سيصب في مصلحة النسوية أولا ، فإذا ما أعطي المجلس صلاحيات حقيقية سينعكس ذلك على أداء المرأة فيه . لاشك أن سؤال فعالية المجلس سؤال مشروع بل لزوم ما يلزم ،في ظل فشل المجلس وتحنطه وجموده وبتر صلاحياته وعدم قدرته على الفعل الحقيقي ، وفي ظل ما تمر به منطقتنا العربية من زوابع عاصفة، فضلا على ارتفاع النبرة الحقوقية عاليا وامتداد أثرها لشارعنا السعودي . بناءً عليه لا يشكل السؤال الآنف تشكيكا في المرأة أو تبخيسا وانتقاصا من نساء الشورى ، ولكنه يسائل دور المجلس العقيم وفعاليته المبتورة ناهيك عن بعده عن التمثيل الشعبي  وانحصاره في أطر التعيين الحكومي .
من الممكن أن تستثمر النسوية السعودية سؤال فعالية المجلس ، خاصة وبوادر عدم قدرة المرأة على تحقيق مايذكر في المجلس تلوح في الأفق ، فالحال لايزال يراوح مكانه ..،ولا يبدو أن هناك أي تباشير توحي بأن هناك تغييرات نوعية تتعلق بصلاحيات المجلس في القريب العاجل. تستطيع النسوية السعودية أيضا الخروج من كهف فئويتها الضيق إلى رحاب خطاب وطني جامع يضع في اعتباره هموم الإنسان السعودي وشجونه بإثارة هذه النوعية من الأسئلة أولا، خاصة وخطاب النسوية في مجمله يبدو متراجعا ومتأخرا عن خطاب الشارع السعودي المتأجج على " تويتر" وغيره من مواقع التواصل الإجتماعي ، ولا أدل على ذلك من وسم # مجلس-شورى-منتخب. وفي حين يتحدث الشارع عن صلاحيات تشريعية ورقابية وانتخاب الأعضاء ، تنتشي النسوية السعودية بنصرها وتكاد تنحصر مطالباتها باحتكار نصف المجلس للنساء  ، وهو الذي لم يتحقق للمرأة في برلمانات الدول الراسخة في الديموقراطية..! وفي حين تشتعل النضالية وترتفع النبرة الحقوقية إذا ما تعلق الأمر بمنح نصف المقاعد للنساء ، يتراجع الخطاب ويفقد صبغته المشاكسة وشراسته عند الحديث عن صلاحيات المجلس وعدم فعاليته والمطالب الوطنية بانتخاب أعضائه ، بل قد يصل الأمر للتنكر لمباديء وقيم الحرية والديموقراطية نفسها والدفاع عن آلية التعيين الحكومي ما دامت هي التي كفلت للمرأة حضورا في المجلس..! مما يفقد النسوية السعودية مصداقيتها وتعاطف الشارع معها ، حيث تطل من برجها العاجي غير قادرة على الاتساق والانسجام مع معطيات الواقع واستحقاقات المرحلة والمطالبات الشعبية المشروعة.
 وهنا يبدو الخطاب النسوي أيضا خانعا ومستكينا للسياسي راضيا بعطاياه ، ومتغافلا عن دوره الجوهري في تكريس أوضاع المرأة المتدنية ، ومتعاميا ومنكرا لاستخدامه المرأة كورقة في اللعبة السياسية ..، بل متجاهلا أن القضية التي انشغل بها المشهد كثيرا " قيادة المرأة للسيارة " من الممكن حسمها بقرار سياسي على غرار قرار إشراك المرأة في الشورى ، وسيتم الامتثال للقرار والرضوخ له في نهاية الأمر .
 من منطلق التحزب والاصطفاف أيضا يوضع حديث الحضور الديكوري لنساء الشورى واستخدامه كصورة للتصدير في خانة المحرمات ..، كيف لا وهو أحد المفردات التي يستخدمها التيار الديني في حربه الشعواء ضد أية  تحديثات متعلقة بالمرأة ..! وهكذا تركل كرة القضايا المهمة بين أقدام التيارين ، وتضيع في حمى أم المعارك المقدسة بينهما ، فيكاد يختفي النقد الموضوعي للمجلس من خطاب النسوية السعودية- إلا قليلا- خوفا من تجييره لصالح وجهة نظر التيار المناويء..! وتُنقد فعالية المجلس وآدائه على الفسطاط المقابل ، في منهجية ذرائعية برجماتية تقدم النقد لتصل إلى هدفها الأول والأهم في المعركة المقدسة وهو قرار المرأة في بيتها وإزاحتها عن الفضاء العام . وكما تبدأ قضية الليبرالية ( الشكلانية)  بالمرأة وبعض الإصلاحات الإجتماعية دون مطالبات بإصلاحات سياسية حقيقة ، يتساوق معها خطاب التيار الديني التقليدي فهو يبدأ بالمرأة ويتنهي بها مختزلا الفساد في وجسدها وحضورها في الفضاء العام، متعاميا عن الفساد الأكبر ونهب مقدرات الوطن.!
لا يمكن إصلاح أوضاع المرأة من الأعلى إلى الأسفل ، فهاهي نورة الفايز تحتل منصبا رفيعا في وزارة التريبة والتعليم ، ولم يساعد تعيينها في حل مشاكل المرأة المزمنة والمتراكمة في الوزارة . وفي حين احتلت النساء 20% من المقاعد في قبة الشورى ، يبدو المشهد ممعنا في الكوميديا السوداء عندما يقبض على امرأة قادت السيارة لإنقاذ زوجها المريض ويؤخذ عليها تعهدا بعدم الإقدام على فعلتها مرة أخرى..!، وفي مزيد من التناقض العجائبي يُبلغ وليها بخروجها ومقدمها للبلاد برسالة جوال.كما أن تعيين المرأة في مجلس الشورى لن ينعكس على حياة المرأة المطحونة والمقهورة ،والتي تعاني الأمرين من واقع يتكالب عليها فيه الاجتماعي الثقافي مع الخطاب الوعظي ، وتؤطر الصورة بأنظمة حكومية تغلق عليها المنافذ.!
وقد سبق أن كتبت عبر هذا المنبر أن دخول المرأة للشورى معنوي فقط ،وقد يساهم في محاولة تفكيك الصورة الدونية النمطية المترسخة في اللاوعي الجمعي ، والتي من الممكن رصد تجلياتها في عشرات النكات الساخرة عن نساء الشورى التي هطلت من مختلف أقنية التواصل الحديثة ، والتي شاركت بعض النساء أنفسهن في تبادلها وإطلاقها ، بل وصل بعضها إلى الفبركة وتزييف الأخبار. مما يدلل على أن تفكيك الصورة الدونية يحتاج إلى جهد كبير ، يمتد إلى البنى الفكرية والأنساق الثقافية ومما يستدعي عملا جادا ومنهجيا على الخطاب التعليمي والإعلامي والثقافي والوعظي ، وذلك كله يحتاج لإرادة سياسية صارمة قبل كل شيء.
وعودة لخطاب النسوية السعودية ، فإنصافا لابد من ذكر أن هناك ندرة من الأصوات الصادقة مع نفسها ، أثارت أسئلة فعالية المجلس ودوره متطلعة إلى انتخاب أعضائه. فيما حاولت أخرى نقد معايير تعيين نساء الشورى والتساؤل على أي أسس اعتمدت ، وطرحت أسئلة أخرى عن تجاهل وتجاوز بعض المناطق والجامعات في المملكة ، وعن الحكمة من تعيين إحدى عشر سيدة من تخصصات طبية أو علمية دقيقة . ولكن يبقى السؤال هل تستطيع أقدر السيدات والرجال وأكثرهم خبرة وتمرسا في الشان العام ونشاطا حقوقيا على الانجاز في مجلس الشورى ، في ظل بقاء حاله وصلاحياته على ما هي عليه ؟!
 أمل زاهد

Sunday, June 10, 2012

حقوق المرأة السعودية المهدرة ومسؤولية السياسي

http://www.almqaal.com/?p=2187
حقوق المرأة السعودية المهدرة ومسؤولية السياسي !

كثيراً ما تُضمّن الكتابات والمقولات النسوية في صحافتنا أسطورة دعم السياسي للمرأة ورغبته في النهوض بها وإخراجها من عزلتها لتمارس دورها في الحياة العامة كاملاً غير منقوص، بينما يقف رجل الدين – وحده-  أو من أسماهم الدكتور محمد الدحيم "حملة الفقه"  كسد منيع في وجه هذه التحديثات ؛ فالسياسي يمنح ويعطي ، والفقيه يأخذ ويمنع !

 وقد تُحمل بعض الكتابات الأخرى تردي وضع المرأة ومراوحته مكانه للمجتمعات الذكورية الأبوية وسيطرتها على البنى الفكرية والأنساق الاجتماعية الثقافية مع إغفال دور السياسي في تكريس هذه البنى وترسيخ جذورها في الثقافة . بل قد يصل الأمر إلى تصوير حرمان المرأة من حقها في قيادة السيارة إلى الذكورية الغاشمة والفحولة الكاسرة ؛ التي تأبى إلا أن تحرم النساء من حق التنقل ثم تُخلى ساحة السياسي من أية مسؤولية ..! وكأن القضية هي قضية ممانعة ورفض من حزب المحافظة والتقليد في المجتمع ؛ يقابلها دعم وتبني للقضية من حزب الحداثة والتجديد ، بينما يقف السياسي موقف المتفرج في هذا الصراع منتظراً لحظة الحسم ليأخذ القرار بالسماح أو المنع ؛ في تسذيج وتسطيح متناهٍ للقضية من جهة ، وفي تزييف للوعي من جهة أخرى !

في حين أن ممانعة التحديثات المتعلقة بالمرأة  يُسأل عنها السياسي قبل الواعظ أو حامل الفقه ؛ ليس فقط لأن القرار السياسي هو الحاسم القاصم لأية ممانعة اجتماعية - وقد حدث ذلك في قضية تعليم المرأة وقضايا أخرى غيرها -، ولكن لأن السياسي تخلى عن مهمته ومسؤوليته في تهيئة البيئة الفكرية والثقافية لتغيير وتحسين أوضاع المرأة . فقُدمت التحديثات المتعلقة بالمرأة  للمجتمع مفرغة من مضامينها الفكرية وأساسيات بنيانها،مما يساهم في إعادة إنتاج الممانعات واستنساخ الجدليات العبثية العقيمة التي تشغل المشهد وتلهيه ؛ في حين أنها لا تقدم ولا تؤخر في الأمر شيئا ، كون القرار بداية ونهاية بيد السياسي !

يستدعي تغيير أحوال المرأة وتحسين أوضاعها الاجتماعية الاشتغال على تجديد الخطاب الديني ، وتفكيك الأنساق الثقافية المكرسة لدونية المرأة ، ولا يمكن أن يتم ذلك دون قرار وإرادة سياسية حاسمة؛ تُوضع من خلالها الإستراتجيات للعمل على الخطاب الديني والثقافي والتعليمي والإعلامي والاجتماعي في سبيل التأسيس لوعي مغاير فيما يتعلق بالمرأة ودورها في المجتمع والتنمية . فالبنى الفكرية للتشدد والتقليد لم تسقط علينا كسفاً من السماء ، بل أفسح لها الطريق لتتجذر وتنمو وتتعمق عبر التعليم والإعلام ، ومن خلال مفردات وأدبيات الخطاب الديني الوعظي الذي تركت له السيادة ليشكل الوعي الجمعي طبقاً لرؤيته الأحادية !

من نافل القول أيضاً أن الأنظمة الحكومية تلعب دوراً كبيراً في هدر حقوق المرأة المدنية وفي تكريس الفكر الوصائي عليها ، فهي محرومة من الإنصاف لا تستطيع اللجوء للقضاء إلا بموافقة الولي أو حضور مزكييّن من أهلها يعرفان بها كي تتمكن من رفع قضية ضد زوج أو أب يعنفها . ناهيك عن التعاميم الأخرى التي تساهم في إيقاع الظلم عليها في المحاكم في حالات الطلاق أو الخلع أو العضل أو الحضانة  . فضلا على حرمانها من حقها  في منح الجنسية لزوجها غير السعودي ثم لأبنائها منه أسوة بأخيها الرجل . فعلى أبناء المرأة السعودية من زوج غير سعودي الانتظار حتى بلوغ الثامنة عشر من العمر ؛ وهنا أيضا يتم التفريق بين الذكر والأنثى ، فيمنح الشاب الجنسية السعودية فيما لا تمنح الفتاة الجنسية إلا في حال زواجها من سعودي ! ناهيك أيضا عن غياب قوانين رادعة تحميها من العنف الذي قد يقع عليها من أب ظالم أو زوج متجبر ، ولعلّ مأساة المرأة الكبرى تتجلى في عدم الاعتراف بأهليتها الكاملة وخضوعها للوصاية الدائمة وموافقة ولي الأمر عند التعليم والعمل والسفر وإجراء العمليات وخلافه  !* 1

بناءً على ما سبق ؛ تتجلى الإشكالية الكبرى في خطاب النسوية السعودية بتوجيهه للبوصلة الوجهة الخاطئة ، فهو يمسك في الفرع دون الجذر وفي العرض الظاهر دون المرض .. فتتورط النسوية السعودية في صراعات مفتعلة وحامية الوطيس مع الوعاظ وحملة الفقه ، وهو صراع يفتقر للتكافؤ مع خصم قوي محصن بقبب القداسة ، تم تمكينه من أسباب السيادة والهيمنة الكاملة على المجتمع وثقافته !

 كما قد تنحرف أيضا بعض الكتابات النسوية إلى شخصنة القضايا والبحث عن معارك "دونكشيوتية" مع رموز التيار الوعظي ؛ دون اشتغال فكري جاد وواع على هز القناعات الراسخة في اللاشعور الجمعي ، وتقويض المقولات المتشددة والمتكلسة المتعلقة بالمرأة في الخطاب الديني والثقافي السائد .

أمل زاهد

·      1 كتاب أسوار الصمت \ قراءة في حقوق الفرد المدنية في السعودية للدكتور وليد الماجد

وللمزيد من المعلومات عن حقوق المرأة المدنية المهدرة الرجاء الرجوع للكتاب السابق فصل : حقوق المرأة .






Monday, June 4, 2012

جميلة السنّارية \ قصة قصيرة


جميلة السنّارية

كفاي تبحثان عن كفيه لتستوطنهما .. فيما راحت ذراعاه الصغيرتان تحاولان التسلق والالتفاف حولي   ..

لهيب النيران يغطي  المشهد برمته وذراعاه تكابدان وتكابدان لتلتفان حولي ..

أنزلت ذراعيه واستبطنت كفي اليمنى كفه الصغير .. تشبثت به بينما مال هو على جسدي الذي أخذ بالارتعاش كسعفة نخيل في ليل عاصف . عيوننا المتسعة راحت تراقب المشهد بينما يخفق قلبانا ويخفقان حتى يكادان يقفزان من صدرينا الصغيرين!

 يشتد الزحام وتلتحم الأجساد .. وخوفي من غضب أمي العاصف يتضاعف ..

 يسابق فضولي خوفي فيتجاوزه فأقرر معاندة خوفي والتشبث بالبقاء ..

 يطل بائع " المنتو" بابتسامته اللزجة وملامحه الكريهة ..يداه تمتدان لتتحسسان جسدي الذي يغطيه مريول المدرسة ، وشعور بضيق ثقيل ممض يجثم على كل كياني ولكني لا أنبس ببنت شفة..! أفر من الذكرى الكريهة كما فر جسدي ذات يوم من تحت يديه العابثتين وذلك الشيء المتصلب على مؤخرتي ..

 أقرر البقاء رغم طنين الذكرى الذي ارتفع داخلي وعلا لهيبه متزامنا مع أزيز النيران وهي تبتلع مقتنياتها ومدخراتها ..

أحاول جرجرة ذيل تنورتي وجرجرته ليغطي ركبتي بينما يرتفع وجيب قلبي ويعلو مع اقتراب الأجساد أكثر والتحامها وغرقها في طوفان مراقبة التهام النيران للصندقة الخشبية .. حتى خوفي من الأيادي العابثة والنظرات المتسلقة لجسدي الصغير الآخذ في التبرعم والالتفاف لم يكبح جماح فضولي ولم يروض رغبتي في البقاء ومعرفة ما سيحدث !

 أيهما أقوى الخوف أم الفضول ، المغامرة وتسلق هضابها والرغبة في الاكتشاف والمعرفة ، أم الركون إلى مركب الخوف والتوجس وهو يتهادى على أمواج الرتابة والملل ؟!

 استبقيه وهو يحاول المغادرة محاولا الانسلال من بين تلال الأجساد الضخمة .. تضعف مقاومته تحت ضغط يدي المتشبثة به فيستجيب هو الآخر لفضوله ونداء المغامرة العالي النبرة مقرراً البقاء مسندا جسده النحيل على جانبي الأيمن !

 أنين جميلة السنّارية المرتفع يشق عنان الأجساد المتلاصقة .. يبعدهم عواءها الموجع ويفسحون لها الطريق .. المرأة التي تسربلت داخلي دوما بعباءات الخوف والجنون تخلع عنها فجأة أرديتها لتبدو كقطة جريحة تلعق جراحها داخل غيمة من سحائب الدخان السوداء والأخرى الرمادية..!

سحائب هلعنا وخوفنا تلتف حولها وتلتف كلما مرت من حارتنا الصغيرة أو تعدت بقربنا ، فيتفرق الجمع هاربا إلى أمن الدور خوفاً من نوبات جنون قد تعصف بها ، بينما يلاحقنا صوتها وهي تلعن وتسب الحكومة التي سرقت منها مستشفى باب الشامي .. وتتوعد باستعادته من براثنها ذات يوم !

أشعر بحزن جارف وأنا أرى انكسارها ، والفقد والقهر يعصفان بها من رأسها لأخمص قدميها .. ترتعش غضبا وألما .. ينزاح شرشفها الطويل عن مفرق شعر هزمت السنون لونه الأسود .. خصلاتها المجعدة الشاحبة تتناثر ذات اليمين وذات اليسار .. ومدخرات السنين وأكوام المقتنيات تأكلها النيران ، بينما تمتد الأيادي الخائنة متسللة دون رحمة ولا رأفة لتسرق وتنهش وتقتسم ما تبقى  ..

 تند عن البائسة صرخة طويلة ممتدة بطول الزقاق الطويل الذي يفصل الخرابة عن الحرم ممتدا حتى آخر الدنيا .. ، يرتفع عواءها وصراخها وهي ترى الأيدي تجوس في ممتلكاتها ، والذئاب تنهش في لحمها وتقطع جسدها وتقتسمه على مشهد منها .. ذئاب مسعورة قررت أن لا تبقي ولا تذر شيئا من وليمة مجانية هبطت عليها من السماء .. لعلّ ما يقال عن ثروة المرأة المخبولة حقيقا .. لعلّها تحتفظ بجنيهات الذهب وريالات الفضة في تلافيف تلك الصدنقة البائسة .. لعلّها فعلا تمتلك حجة أرض مستشفى باب الشامي التي طالما جأرت قائلة أن الحكومة سرقتها منها ..!!

 ينزاح الخط الفاصل بين الوهم والحقيقة .. والجنون والعقل .. ليحتل الخبال وتهويماته المشهد بكل تفاصيله .. يصبح الجنون سيد المشهد .. يخرج حينا الصغير الوقور من رزانته ليرقص على أشلاء جميلة السنّارية ، بعد أن انتشله الحدث الجلل من أحضان الرتابة والملل .. وأخرج الوحشي البربري الكامن في أعماقه وأطلقه من عقاله بكل همجيته وتناقضاته ومشاعره البشرية المتأرجحة على حواف النجدّين ..! يتحول المشهد برمته إلى سعار محموم مجنون، ومشاعر مختلطة من حزن زائف مجدول بنشوة تتراقص وتستعر ولكنها تخجل من الإفصاح عن نفسها.. تحرك الراكد وخرج الجنون من مخابئه الدفينة !

 صوت فجيعة البائسة يزلزل أركان باب المجيدي ، عواءها وأنينها يداهم المشربيات المغلقة ويقتحم الردهات والدهاليز الموصدة خارقاً صمت البيوت ومبددا سكونها !

 تحملق العيون من خلف المشربيات محاولة كشف ما وراء المشهد .. والصندقة المحترقة.. والنار .. وجموع المتجمهرين ..

 تشق ثيابها بينما ترتفع أصواتهم قائلة لها : يا حرمة استري نفسك !

تنفتح فوهة القارورة عن روائح نفاذة من المشاعر الوحشية التي كانت تنتظر تلك اللحظة الفاصلة لتخرج وتبدي نفسها..  وتقتات متراقصة على بقايا صندقة المسكينة ، وتأكل من ثنايا روحها .. !

تشبثت يدي بيده أكثر وملت عليه محاولة حمايته من كل هذا .. ليتنا لم نبق .. ليتنا غادرنا من قبل فأنينها يشق مجامع قلبي الصغير .. والمشهد يزداد قسوة ووحشية وعبثية.. أريد أن نفر من كل هذا .. ولكن كيف الخروج ؟! وأين المفر ؟!!

أخيرا يظهر رجال الدفاع المدني في الصورة ، بينما يحتل صوت صفير سيارة المطافئ كل جزيئة من جسدي وكياني وأذنيّ ..

تفسح الجماهير لهم الطريق فأجد مهربا لي وله .. أسحب جسدي وأجر جسده هو الآخر وانطلق مسرعة ؛ بينما تتعلق عيناي بجميلة وشعرها المنثور وهي تقتحم النيران وتغيب داخل سحائب الدخان ودواماته الصلدة السواد  ..!

أمل زاهد


Saturday, March 3, 2012

والرجل فتنة أيضا ..!

من أبرز مظاهر تكريس دونية المرأة في ثقافتنا هو وصفها بأنها أحبولة الشيطان ومصدر الفتنة والغواية ، بل هي الفتنة متحركة على قدمين ولا هم لها أو هاجسا إلا إغواء الرجل ونصب الفخاخ لتوقعه في مكائدها،ولتعزيز وتكريس تلك النظرة يتم استدعاء الأمثال الشعبية المؤكدة والمكرسة لفكرة الفتنة والإغواء ، ولا تنس عزيزي الرجل أن تعسة أعشار المرأة دهاء والعشر الأخير بلاء !! وأن تملصت من بين يدي الأمثال الشعبية، ستخرج لك الثقافة بعض الأساطير أو الحكايات الشعبية من مخابئها في دهاليز الموروث الثقافي لتنشط جهازك المناعي ضد المرأة (الفتنة) ، أو تستحضر لك حكايا حقيقية أو مختلقة لبعض نماذج النساء الغاويات المغويات لتعزز من قوتك اللوجستية .. في تجاهل مقصود لنماذج الرجال البارعين والمتمرسين في إغواء النساء ، وفي تغاضي تام عن الطبيعة البشرية ونوازعها المجبولة على الصراع بين الخير والشر عند الرجل والمرأة على حد سواء ، قال تعالى : (ونفس وماسواها فألهمها فجورها وتقواها  قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها ) دون تخصيص لجنس دون الآخر !
يتغافل ذات الخطاب أيضا عن أن الرجل هو أيضا فتنة للمرأة وكما يفتتن بجمالها من الممكن أن تتفتن هي بوسامته ، وقصة سيدنا يوسف مع امرأة العزيز في سورة يوسف خير دليل على ذلك الافتتان !  كما أن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه نفى نصر بن حجاج الذي اشتهر بالوسامة من المدينة المنورة لافتتان النساء به ، عندما تناهى إلى مسامع عمر بن الخطاب رضي الله عنه قصيدة نظمتها إحداهن تتمنى فيه وصله !
 يقول الإمام المجدد محمد عبده في أعماله الكاملة  إن كل الكتابات التي كانت تلح على ضرورة الحجاب- الحجاب هنا بمعنى تغطية الوجه -  في عصره ركزت على خوف الفتنة ، فهو أمر يتعلق بقلوب الخائفين من الرجال ، وعلى من يخاف الفتنة منهم أن يغض بصره. ويضيف أن آية غض البصر تتوجه إلى الرجال والنساء وأن المرأة "ليست بأولى من الرجل بتغطية وجهها. ويتساءل : عجبا !! لم يؤمر الرجال بالتبرقع وستر وجوههم عن النساء إذا خافوا الفتنة عليهن ؟! هل اعتبرت عزيمة الرجل أضعف من عزيمة المرأة ؟! واعتبر الرجل أعجز من المرأة عن ضبط نفسه والحكم على هواه ؟!.واعتبرت المرأة أقوى منه في ذلك حتى أبيح للرجال أن يكشفوا وجوههم لأعين النساء مهما كان لهم من الحسن والجمال ؟!!)
أمر الله تعالى الرجال والنساء على حد سواء بغض البصر في دلالة بليغة من لدن الحكيم الخبير على المساواة بين الجنسين حتى في احتمالية الوقوع في الفتنة ، والتهذيب القرآني يدعو إلى تزكية النفوس وتقويمها ، وتربية الضمائر وتنقية القلوب للجنسين .. فالمرأة ليست وحدها الفتنة كما تؤكد الثقافة السائدة ولكن الرجل فتنة أيضا !!
أمل زاهد

Tuesday, February 21, 2012

التعاطي الإعلامي مع الهيئة وتزييف الوعي

 التعاطي الإعلامي مع الهيئة وتزييف الوعي!
ما إن أوشكنا على تنفس الصعداء ونحن نلمح معركة " ذات الملتقى " تكاد تلملم أطرافها وغبارها  لتغادر مشهدنا الثقافي - بخصوصيته العجائبية المتفردة-، حتى دخل المشهد بقضه وقضيضه ومقالاته وبرامجه الحوارية في معترك جدلية هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وذلك بعيد تعيين الشيخ " عبد اللطيف آل الشيخ " على سدة رئاستها . فمن مهلل ومستبشر بالرئيس الجديد ومتفائل بطروحاته المعتدلة ، وبالتالي مؤمل فيما يمكن أن يجترحه من إصلاحات في إدارة الجهاز وآليات تعامله مع أفراد المجتمع !،.. إلى مغازل للوعي الجمعي الذي تم استلابه واختطافه ليوحد بين وجود جهاز الهيئة - بشكله القمعي الحالي، والمحصور في دوائر الشكلانية الصرفة وتفاصيل اللباس والعلاقات بين الجنسين- ، وبين الدين نفسه وتعاليم الشريعة ذاتها !،.. رابطا وقارنا بين الفضيلة نفسها كقيمة وسلوك فاعل في الممارسات المجتمعية بوجود جهاز الهيئة !،.. فلولاه لدكت قلاع الفضيلة وانهارت القيم وتهاوت منظومة الأخلاق !، .. ومنهم من يتجاوز متألياً على ضمائر العباد .. شاهرا اتهامات النفاق ومرض القلوب والرغبة في إفساد المجتمع على المحاربين للهيئة كما يزعم الكاتب ، .. وذلك بعناوين فاقعة على شاكلة " لماذا هم خائفون من الهيئة ؟!"، .. ليقوم الكاتب بتحليل نفسي "جهبذي" لسيكلوجية أولئك الممانعين الرافضين لوجود الهيئة ، مؤكداً أن كل أخطاء الهيئة اجتهادات فردية فلكل جهاز حكومي أخطاؤه ، والأخطاء لا تستدعي الإلغاء بل الإصلاح ، فلا يعني وجود الأخطاء الطبية القاتلة في القطاع الطبي إلغاءه ، وذلك في ربط سقيم وتدليل عار من المنطق!.. فيما تدفقت الرسائل على رئيس الهيئة الجديد من كل حدب وصوب  تسأله الإصلاح والتطوير والحدّ من أخطاء المحتسبين وحسن التعامل تارة ، أو تدلل على نواياه الإصلاحية بكف أيدي المتعاونين مع جهاز الهيئة طامحةً في المزيد تارة أخرى ..، وصولا إلى مطالب تقنين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتحرير عمل الهيئة من السلطوية ومراقبة الناس ومحاكمتهم والتعامل معهم بالعنف والترهيب ، وقد يرتفع سقف المطالب تارة أخرى ليصل إلى منع منسوبي الهيئة من الدخول للأماكن العامة !..
 أما الأقلام الأكثر صراحة والتي تحاول نقض وتفنيد فكرة "جبرية" الفضيلة وفرضها، واختزالها في جسد المرأة والعلاقات بين الجنسين..، وطوباوية واستحالة الفكرة الأخرى الموازية لها بإمكانية "حراسة الفضيلة " ، لا تستطيع التحرك إلا في حدود الأطر" الرقابية " الضيقة جداً والمسيجة داخل قضبان المنع والحظر والمسلط عليها أبدا سيف المنع من النشر ؛ والتي يعلمها جيداً كل من يتعاطى الكتابة اليوم في صحفنا!.. فتمارس تلك الأقلام النقد على استحياء تارة ، والمواربة والتحايل وتضمين للمعاني بين السطور تارة أخرى .. في قطيعة " إجبارية " مع البعد السياسي للقضية ، رغم الدعم المالي السخي الذي تدفق على جهاز الهيئة بعيد ثورة " حنين " المزعومة !.. في حين تحاول قليل من الأقلام الجريئة الحفر عميقا وتفكيك أبعاد ومضامين مفهوم الحسبة بشكله الحالي، ومفارقة تلك المضامين لجوهر الحسبة الحقيقي في الإسلام ، مضمنة نقدها للسياسي ما بين متن الكلام وثناياه ، ولكنها لا تستطيع الإيغال بعيدا لتصل إلى رفض "حوكمة" و"عسكرة"  الهيئة ، وقد تلمح ولكنها لا تستطيع التصريح بقيام السياسي بتفريغ مفهوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من مضامينه المدنية ، ومن ثم الالتفاف عليه ومحاصرته داخل أطر الشكلانيات بعيدا عن الحيز العام ، واستلابه من بعده الحقوقي السياسي ، وإبعاده عن المطالبة بالمساءلة ورفع الجور وسن القوانين .. كما كتب الأستاذ "أحمد الجنيدل" في مقالته الوافية في منبر" المقال"  الحر بعنوان " الهيئة ومشروع مؤسسة المجتمع المدني المجهض ".
 والإشكالية الحقيقية أن جلّ الكتابات النقدية عن الهيئة تسهم -سواء بوعي أو دون وعي – بالتأصيل للهيئة كمؤسسة "حكومية" ومباركتها من حيث تريد النقد أو النقض ،!.. فالمطالبة بالتطوير والحدّ من فجاجة وشراسة بعض منسوبي الهيئة وتعداد أخطائهم المتكررة والمطالبة بمحاسبتهم ، وبتقنين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يضمن الإقرار والقبول ، ومن ثم المباركة مع شرطية التطوير والإصلاح ..! فيما تنحرف بعض الكتابات النقدية لتمارس التملق والمداهنة فتصف جهاز الهيئة :  بالجهاز الحكومي المؤثر بشدة في رسم خارطة الطريق الاجتماعية لهذه الأمة ! وتقدم لنقدها ممارسات رجال الهيئة وأخطائهم بعبارات لا تخلو من المجاملة والتزييف الممجوج :إن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تمسك بأطراف ومفاصل النمو والتطور الاجتماعي الشعبي في المملكة العربية السعودية، تقوده إلى الأمام إن أحسنت أداء رسالتها وتعتقل نموه إن جانبت الصواب..!"
 فيما يُقدم تحقيق صحفي عن الهيئة بجريدة " الرياض " يتحدث عن التطوير والإصلاح المرتقب مع قدوم الرئيس الجديد بعبارة :" لا أحد ينكر أهمية جهاز الحسبة ودوره في المجتمع والنجاحات التي حققها في حفظ الضرورات الخمس " ليتم ترسيخ وتأكيد دور الهيئة كمؤسسة "حكومية "تراقب باقي المؤسسات وتتدخل في صلاحياتها وأعمالها ، وتمارس قمعها للحريات الفردية والتدخل في خصوصيات العباد !. وهكذا تهدر قيمة الفرد بصفته إنسانا فاعلا ؛ حمله الله تعالى الأمانة وزينه بالعقل وشرفه بالحرية والقدرة على الاختيار بين الخير والشر.. ليصبح مرتهناً للوصاية التي تهمين بقبضتها على كافة مناحي حياته ، وهكذا أيضا تُلغى وتهمش قيمة المسؤولية الفردية للإنسان ورقابته الذاتية على أفعاله رغم أهميتها ومحوريتها في الإسلام !..
والإشكالية الأبعد والأخطر تأثيرا تتجسد في أن جلّ تلك الكتابات تسهم في تزييف الوعي وشرذمة المجتمع وتقسيمه لفسطاطي مع وضد، وتدخله في جدليات عقيمة ؛ وذلك بتسطيح القضية واقتطاعها من السياق السياسي وزرعها في سياق اجتماعي منفصل بذاته ، مما يكرس لتحويل القضية إلى صراع مجتمعي بين حزب المعارضين وحزب المشجعين ، ونظرة واحدة على التعليقات التفاعلية لمقالة عن الهيئة تأتيك بالخبر اليقين !
أمل زاهد

   
  




Sunday, February 5, 2012

إلى متى تظل المرأة السعودية ناقصة الأهلية ؟!

إلى متى تظل المرأة السعودية ناقصة الأهلية ؟!
من العجائبيات المجافية للمنطق أن يصدر قرار ملكي يقضي للمرأة بتمثيل مكافئ للرجل في مجلس الشورى ، وإشراكها في انتخابات المجالس البلدية كمرشحة ومنتخبة ، في حين أنها لا تزال تُعامل في محاكمنا على خلفية نقص الأهلية وعدم الاعتراف بالرشد ..! كنت وكثيرات غيري نأمل أن قرارا يقضي بدخول المرأة إلى قبة الشورى والمجالس البلدية سيسهم في تهشيم الصور النمطية المتكلسة عن المرأة ، وسيساعد في اختراق الأنساق الثقافية والبنى الاجتماعية المكرسة لدونيتها ، كونه - يُفترض أن–  يضمن الاعتراف بكينونة المرأة وأهليتها الكاملة ، ويؤطر مكانتها كشريكة لأخيها الرجل في تنمية الوطن ونهضته وفي حقوق المواطنة! كما كنا نأمل أن يدعم ويتبع بحزمة من القرارات التي تساعد على تمكين المرأة والاعتراف بكمال أهليتها..، لكن حكما واحدا يبنيه بعض قضاتنا المبجلين على خلفية نقصان أهلية المرأة وعدم وصولها للرشد حتى لو بلغت من العمر عتيا- يعيدنا للمربع الأول في هذه القضية !.. فكيف تستلب امرأة راشدة من حقها في اختيار السكن مع والدتها بعد الطلاق ، ثم تحرم من عملها وتسجن ثلاثة أشهر لرفضها السكن في بيت والدها الصغير المساحة والمكتظ بأربع زوجات وما يقارب 25 طفلا ؟!..؛ وكيف تعود لتخير بين العودة للسجن أو الانتقال لبيت أبيها بعد إخراجها بكفالة حضورية ؛ رغم أن رد الاستئناف لم يصل بعد !. كما ورد في خبر " عكاظ " عدد 3874 المنشور على خلفية قضية مساعدة طبيبة الأسنان بالمدينة المنورة ، والتي قالت السجن أحب إلي مما تدعونني إليه ..؟! فيبدو أن الأب الغاضب جراء رفع ابنته قضية عضل عليه ، أراد الانتقام منها وإعادتها إلى حظيرته صاغرة وبحكم المحكمة ..!.
موجعةٌ ومؤلمةٌ قضية تلك المرأة التي لم يشفع لها علمها ولا مهنتها ، ولا ما تقدمه للمجتمع من نفع ، ولا عمرها الأربعيني ولا أمومتها من نيل حق مبدئي وبديهي كحق اختيار مقر معيشتها والمكان الذي يوفر لها الراحة والهدوء والسكينة !. والأعجب أن يصبح عملها وطبيعته وبالا عليها  ، فمحكمة التمييز التي رفضت تصديق حكم قضاة المدينة مرتين صدقته أخيراٌ بناءً على تهمة التبرج والاختلاط في مكان العمل ..! في افتئات على أنظمة الدولة التي تسمح للمرأة بالعمل في القطاع الطبي ، وفي تضارب بين أحكام القضاء وسياسات التحديث يثير الكثير من الإشكاليات والأسئلة ..!. فضلاُ على أن فتح الباب لتهم من نوعية التبرج والاختلاط ثم بناء أحكام عليها ، يطلق العنان لانتهاكات القذف وتشويه السمعة ورمي النساء بالباطل ، دون أن يؤخذ في الاعتبار جدلية مفهوم (التبرج) نفسه في المجتمع والثقافة ، وتمايزه بين بيئة مجتمعية وأخرى ، بل واختلاف الرؤى الدينية فيه ..!
من المحزن أن تتحول بعض قضايا العضل في محاكمنا  إلى قضايا عقوق تارة ، أو تهوي إلى منعطف خطير تضطر معه المرأة المتظلمة والواقع عليها فعل الجور للاختيار بين قضبان السجن ، أو العودة إلى نير ولي الأمر ( الخصم ) الذي ظلمها وعضلها عن ممارسة حقها الطبيعي تارة أخرى .! فهل من العدل والإنصاف أن تُعاد الضحية إلى جلادها ..؟! والإشكالية أن هذه النوعية من الأحكام  تشجع أولياء أمور نزعت من قلوبهم الرحمة والشفقة على الظلم والمضي قدما في ممارساته .!. فيما تساهم في تخصيب ثقافة قبول الظلم عند الطرف الآخر؛ خوفاٌ مما يمكن أن تجره تلك القضايا على المرأة  ؟!
والسؤال الملح اليوم هل ستستطيع المرأة الدفع بحلول لهذه القضايا الشائكة داخل قبة الشورى؛ في ظل محدودية صلاحيات المجلس وتسييج توصياته في أطر الاستشارية غير الملزمة ؟!
 أمل زاهد